١٤٢٧/١١/٢٥

افتتاح دورة الألعاب الآسيوية

1 ديسمبر 2006
حفل افتتاح دورة الألعاب الآسيوية الخامسة عشرة / الدوحة 2006م
( لمجدك أهدي قلبي اليوم ..) عشتِ يا ماجدة الرومي .. !!
ثمت ما يدفعني دفعا لمتابعة افتتاح الدورات الرياضية ، أتابع الافتتاح بشغف وحرص غريبين ، رغم عدم خبرتي الرياضية ، وقلة تحصيلي الكروي ؛ لعل ذلك راجع إلى حبي لكل مفتتح جديد ؛ حتى ولو كان سجنا أو زنزانة .. عموما طبيعة الافتتاحات بشكل عام تعبر عن ثقافة الدول المشاركة في البطولة وحضارتها ، ولعل ما يرافق ذلك من فرح وبهجة هو ما يشدني للشاشة الفضية كالمسمار في الجدار القديم .
ماضٍ عريقٌ تعبر عنه شعلة الألعاب الآسيوية ، وامتداد متواتر للأجيال كان بارزا من خلال مرورها عبر المدن الآسيوية بين حماس الجمهور الآسيوي في روعة مشهدية فاتنة .
كما إن خريطة الإدريسي بعمقها التاريخي وبعدها الإنساني كانت حاضرة بحضور صانعها (الشريف الإدريسي) في الوجدان الحضاري ، طبعا لا أعرف عن هذا الشريف إلا اسمه الموسيقي الرنان في صفحات التاريخ .
وحضور الاستطرلاب برمزيته العلمية لتاريخ العرب والمسلمين ، وبما أضفاه على خشبة المسرح من دلالات هامة وثرية بوصفه آلة قوة ، وبداية رحلة وغامرة .. كان له أبلغ الأثر في إغناء العرض رغم تنوعه المبهر !
كانت قوافل التجارة والحضارة والثقافة تمر بهداها قاطعة طريق الحرير برمزيته التاريخية ، وتستمر الحضارات على لمح إشاراتها خطوة بخطوة .. بملامح مشرقة مشعة .
كان العرض الرائع .. والرمزي للقوافل الآسيوية على خشبة المسرح مدهشا وشائقا .. لأول مرة طبعا أعرف أن هذه القوافل هي رموز حضارية لشعوب خالدة أعطت للإنسانية روائع خالدة .. قافلة ليوندوغ ( شمال آسية ) ، وقافلة التنين ( شمال شرق آسية ) ، قافلة النمر ( جنوب آسية ) ، وقافلة غارودا ( جنوب شرق آسية ) وقافلة الفيل ( جنوب وسط آسية ) ، وقافلة الحصان ( آسية الوسطى ) ؛ لتحي كل هذه القوافل عرس الدوحة لمدة خمسة عشر يوما .. حقا كانت العروض تعبر عن آسيا بكل غناها وتنوعها الثقافي والحضاري وفلكلورها الإنساني العميق .. !!
لقد أدهشتني التنويعات الموسيقية والأنغام الآسيوية ، وأعجبتني خشبة المسرح أيما إعجاب ، ولا شك أن الانطباع الأول هو أن الافتتاح عكس ثقافة الشعوب ومقدساتها بمقاسات فنية هائلة .. وكم كانت الألوان بزهوها معبرة أكثر من الكلام عن البطولة والأناقة الرياضية والفرح الآسيوي، وكأن الإضاءة ولادة جديدة رائعة بما تعبر عنه من اشتعالات واكتشافات ومحبة وسلام .. !!
كان لصوت المغنية الهندية سيندي تشوهام حضور رائع وعذب ، وغارق في العذوبة ، طبعا ما كان لي أن أفهم ما تقول لولا الترجمة ، كانت أغنيتة معبرة عن مضامين إنسانية.. كما أن الراقصات الآسيوية الفارطة الروعة والغموض ، إنها لوحات من الأسرار تعبر عنها كتل جسدية هائلة الحضور والدهشة ، كما أن الألوان والأزياء بكل غرائبيتها وبهجتها وخيلائها وكأنها قصيدة متكاملة المعاني والدلالات .. إنهما خير مثال على روعة الافتتاح .
وحضور الأغنية الخليجية الشهيرة (توب توب يا بحر ما اتخاف من الله يا بحر) في أواخر موسم صيد اللؤلؤ ... بوميض السعفات الذهبية ..في كل مكان يشتاق المشاهد أن يكون وهو يشاهد سفينة أم الحنايا الشهيرة التي يجر مجاديفها صبيان الخليج وسط الأهازيج والزغاريد والأفراح وكم تبدو ليلة الحناء بهيجة في عرف أهل الخليج .
حقا إن الافتتاح لوحة بصرية جمالية رائعة التي أبدعها 17 ألف متطوع أثبتوا أنهم في مستوى التحدي الحقيقي .
كما أن عرض البعثات والوفود والفرق المشاركة التي تصل إلى 45 دولة ، ولفت نظري .. وأفرحني .. وأشعل في صدري شعلة من الدفء الشرقي ( حتى ولو كان موقّتا) الوفدُ الكوري الموحد فلا جنوبية ولا شمالية ...
إن الافتتاح كان لوحة مبهرة ومعبرة عن كل معنى جميل في آسية بتنوعها الجميل .. ويا الله .. يا آسية يا أم الهوايل .. شدوا (حيلكم) كي نكون بحجم قارتنا العملاقة .

شيء مضحك أن تصاغ هذه المقالة في الافتتاح ، وتنشر بعد انتهاء الدورة .. ببضعة أيام ، والسبب خلل فني في كل شيء ، منها انتخاب أمين عام جديد للأمم المتحدة .. آسف بعدد كلمات العربية ، وأعتذر بمقدار عظمتها !!

المقامة اللبنانية

الثلاثاء 14 ذو القعدة 1427
5 ديسمبر 2006م
المقامة اللبنانية
حدثنا بلعم بن باعورا قال: الوضع في لبنان ربما يشبه أغنية نجوى كرم :
بدك ترجع واللا شو
زعلان مني بالله شو
عينونك هِنِّي بلّشو
بالظلم والبادي أظلم
هذه الأيام لا يرى المشاهد إلا المضحكات المثلجة بطعم الفشفاش الانكشاري ، أو الكوسا المحشية بالزفت المقلي في زيت الزيتون الخنفشاري .. والشيف سياسي أو الشيفة سياسية تعد الطبخة الملذوذة التي (ستاكل صوابعك وراها يا لبنان ، ونحن من بقايا السفرة آكلون) !
كنت أتابع الشاشة الفضية (برونزيه واللا ذهبية شالفرق يعني !!) .. وبصراحة متناهية كنتُ ألقبُ طرفي فيها بلا قصد أو رغبة ؛ لعلي أشاهد وجها جميلا ، أو أسمع صوتا ملائكيا !! فجأةً .. توقفتُ عند الشريط الأخباري لمؤشر سوق الأسهم السعودية في قناة العربية ، أستاف عبير الأموال ، وأشتم شذا الأقوال .. وأنا ـ عصمك الله من الزلل ، وأسكنك روائع الفلل ـ من أكثر الناس قلة فهم لهذا المؤشر العبقري ، ولا يضيرني ما يقوله أيُّ (دَنْدَرِي) ، كما أنني من أكثر أكثرهم تِيَاسة ، حتى ولو كان الربح بملء الطاسة !
فأنا كنت أقرأ المؤشر لا بقصد أمر مطوي ، أو أكل تيس مشوي ، وإنما أرغب في متابعة ما تبقى من اكتتاباتي ؛ كي أبيعها ، ولو بالوهم المعلب في قناني الخرافات الاستثمارية (وأعني بها المحافظ) ، التي لا يحيط بفهم إشاراتها لفظ لافظ ! ..
وبينا أنا كذلك في غفلة فارهة ، أتابعُ شؤوني التافهة .. فجأةً وبلا سابق إنذار ، أو سالف إخبار اقتحمت عليّ هدأتي ، وتسورت غفلتي الأعلامُ الفينانة ، والخطب الرنانة ، والأناشيد الوطنية ، والأغاني الشرق ألمبية في لبنان الجمهورية ، وإذا بالوبال السياسي ينهال عليّ من كل زاوية ، والطاعون الطائفي ينذر بكل هاوية.. ، والوسخ البشري المعلون الذي أسميه السياسة ينساب في روحي بدلا من ينساب .. !!
من مشاكلي هذه الأيام أن نَفَسي السياسيَّ ملوثٌ ومبلتث ومخترق بضعف البصيرة وكثرة الحيرة .. والحيرة مدينة في العراق ، والصحيح ( كثرة الحَيْرَة) بفتح الحاء ، وسكون الياء ، وفتح الراء ، مِنْ حَارَ يَحَارُ على رأي أبي زبيد الديمقراطي ابن عم الأقرع الجمهوري (الجمهور في العربية هو الرملة المشرفة على ما حولها ، من (جَمَرَ + جَهَرَ ) !
وعلى ذكر العراق لن أنزلقَ وأكتبَ عن العراق بن كلثوم العاربي .. فالعراق اسم كبير ، ورقم صعب تحوّل هذه الأيام في العرف السياسي إلى (كعكعة) ، وهو الآن ممدد على سرير التاريخ الأبيض ، والكل يدعي أنه يطببه ، وستجرى له عملية فصل سِيَامية ، ولكن يبدو أن موعد العملية تأجل إلى موسم الفقع والعراجين والخولنجان والضَّغَابيس .
والعراق ابن الطب وحفيد القانون ، وإذا به يلقى في بلعوم الأمراض ، وحلقوم الأعراض ، وهو الآن وليس غدا يُسمّنُ كي يبتلعَه تنين أسطوري ، أو يرمى به في حضن عنقاء مُغْرِب .. والتنين (كائن يشبه الديناصور في جوفه نار ملتهبة ، والعنقاء كائنة خرافية لها عنق طويل ، وهي حيوان نصفه نسر والنصف الآخر أسد ، إذا طارت خفقت بجناحيها في الآفاق) .. أوووه عفوا استطردت استطرادا جاحظيا !!
كنتُ أضحك ضحكات مشبوبة بالوجع .. من هذا اللبنان الغريب ، الكل يتحدث عن الوطنية والوحدة والشفافية والعدالة والحوار والخُوار والجوار والعيش المشترك والاستقلال والحرية والديمقراطية والنفوذ الأجنبي والاستقواء بالخارج ورعي الخُعْخع ، وأكل الزبيب على الريق ، والنجاة من النار ، والدعوة إلى نبذ الطائفية ورجم الحرب الأهلية بالزيزفونات الشمسوانية ..
طيب .. والله نحن على ذلك من الشاهدين والمشاهدين ، وليس المتفرجين ! وطيب مرة أخرى ترى (زَوّتُوها حبتين) (وزتوا الحمهْ ليعه) .. وكما في الحكمة الشعبية (الشي إذا زاد عن حدّه انقلب ضده) .. فالوضع أصبح مُضْرَغِطًّا (أي منفجرا من شدة السمنة والضخامة والجسامة) ..اليوم موالاة وغدا معارضة ، وأصبح البيع بالكاش والمقايضة ، وصار الناس في حيص بيص ، ومازالَ الأمرُ هيصًا في هيص (والهيص مذكر هيصه) !
الرياء السياسي من أكثر أنواع الرياء انتشارا ووبائية ، ولكن مازلنا نتحدث عن الرياء في العبادة ، والعُجب على حاشية السجادة ، وبات كل مسطول يغني على ليلاه في الليل البهيم .
والمسطول هو كل من يملك أسطولا بشريا (يزتُّ) به في مثلث برمودا ، وأضحى الحديثُ هذه الأيام عن أيِّ ألق أو أدب أو فكر لبناني حديثَ خرافة يا أمّ عمرو ..
قالت أم عمرو صاحبة اللوى والمربع :
ثوْبُ الرياء يَشِفُّ عمّا تحته * فإذا ارتديت به فإنك عاري
كل لبنان بتاريخه السياسي ، وفكره المستنير ، وأدبه الإنساني لم يخرج من عنق الزجاجة .. فكيف بالصومال صاحبة اليامال ذات الجلالة السياسية والصولات الحربية والسيارات المصفحة والانقلابات المدربحة .
أنا .. هذه الأيام أقرأ في كتاب النبي لـ (جبران خليل جبران) وهو تعويذة إنسانية أدرء بها عني غلواء الموالاة ، وأستمع لـ (فيروز) كي أحترز بها من غلواء المعارضة وحسبي وكفى .. اللهم لا موالاة ولا معارضة ، اللهم مع كل ما يخفف عن الإنسان من جور أخيه الإنسان !! وهذا هو موقفي من لبنان العظيم ، وأعلم أنني على الخطأ الجسيم ، عند من يخالفني الرأي ، أو يصبو أن يعاكظني في وَأْي ، ولكن .. حياه الله وبيّاه ، وجعل النجاح في مسعاه . (معنى الوَأْي: الوَعْد ، واستعملتها هنا حُبًّا في السَّجْعِ ورَغْبَةً في ازياد الرَّجْعِ .. والرَّجْعُ: المطر ذكر ذلك ابن عباس) !
كنا وكنتم والزمان شرمٌ برمٌ * لا خيرَ فيكم والزمان ترلْ لِلِي
طبعا .. كل الخيرية فيكم يا أصحاب ثورة الأرز ، و(كلكم فاهمين وما عليكم زُود) بالنجدي ، ولكن متى يعود للبنان صوته ، بلا (والبادي أظلم) ، وبلا 8 آذار ، أو 14 آذار .. و(على مين تقرا مزاميرك يا داود) .. !!
و (ايه حكايتك يالبنان ايد ورا وايد قدام) ، ويا جماعة : محتاجون دبكة شامية تعلو على نشاز الصخب السياسي .. يا أبناء طائر الفينيق !
يمكن كلامي (اكون من برّه وفي الأونطه ، بس هوّه كلام) لم يقتل طفلا ، ولم يهدد آمنا ، ولم يروّع روحا رطبة ؛ حتى لو كانت قطة ، أو بنات الفرزدق خبطة ولبطة وسبطة !!

مئذنة

اليوم السبت 25 ذو القعدة 1427هـ
ببساطة جدا هدمت المئذنة التي كنت أشاهدها كلَّ يوم كلما خرجت من بيتنا صباح مساء ..!!كانت منارة بحجم طفولتي ، وكنت أرى فيها قوة الحي الذي أسكن فيه ، وكأنها حارسة المدينة بهيبتها وجلالتها ، وسموقها الشاهق واللامتناهي ، وكأنها صاروخ يحمل مركبة فضائية .. !!كانت أيضا رمزا بارزا لمعان جميلة ! ومنها : كلمة (الشهادتين) التي تنساب في مسامعنا منذ الطفولة .
وتتوالى الأيام ، ويموت أكثر من حولها من الناس وتبقى هي ..
رأيت العمال الذين بنوها لبنة لبنة ، وأرى أحدهم الآن بين عيني مستندا إلى جدار المدرسة المجاورة كي يتمكن من سحب اللبنات والأسمنت والأصباغ والألوان والماء ومستلزمات المعيشة وهي محمولة فوق عتلة مسمرة في أسفل المئذنة !!
بطبعي اللدود لا أحب مفارقة الأمكنة بإرادتي .. ولا الأشياء ، ولا حتى الجمادات ؛ فكيف بمئذنة كنت أرى فيها بطفولتي الساذجة أنها مصدر قوة ، وعلامة بارزة على أن صوت حينا مازال مسموعا حتى من أقصى المدينة !!
كنا نرى بها بيوتنا من بعيد ؛ لأنها مشرفة عليها كالملك الجبار ، ومتدلية على أزقتنا كعنقود العنب .
كنت أسمع منها تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان ، وفي صلاة التراويح بطمأنينة وهدوء بال .. لأكثر من عشرين سنة !
كم كنا صغارا ، وهي تكبر في أوهامنا ..وكم كنا صغارا نعلب حولها لعبة (المنطاع) ، ونتدفأ في الشتاء بجمر أحلامنا البريئة ..
كنا أطفالا صغارا نتراكض حولها ، ونعجب كلما غفلنا عنها ازدادت طولا ..
وأكثر ما يعجبني هو منظر السحاب في السماء العالية حينما نتخيل أن المئذنة تتمايل حين عبوره بجوارها .. نعم كنا نتخيل أنها ستقع من فرط حركة الغيوم ..
طبعا اكتشفت فيما بعد ذلك أن الغيوم هي التي تسير ، وليس المنارة
.
اليوم فقط استطعت أن أفهم لماذا كانت المآذن مهمة في ثقافتنا العربية الإسلامية !

مضارب

سأقرع جرس الإنذار من جديد حتى لا تتكرر المأساة .. هل مَنْ يسمع ؟؟
إذا كنت أرنباً فلا تلعب قرب حظيرة الأسود