١٤٢٧/١٠/٠٩

ذم الثقلاء .. الجدد

كتاب ذم الثقلاء
تأليف: أبي بكر محمد بن خلف بن المرزبان المُحَوَّلي البغدادي ت 309هـ
كان أخباريا صدوقا ثقة ، من مصنفاته : تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب ، وكتاب السودان وفضلهم على البيضان ، وكتاب المتيمين .. وكتب أخرى كثيرة .
منها كتاب ( ذم الثقلاء ) بتقديم وتحقيق د. محمد حسين الأعرجي ، ومنشورات دار الجمل .
في هذه النقولات الموجزة عرض وتلخيص واختيار ، والثقلاء حفظهم الله ورعاهم هم بلوى في كل زمان ومكان ، ولعل ابن المرزبان قد أثار في كتابه عنهم موضوعا شائقا وطريفا ..
قرأتُ الكتاب من السبت 4 صفر حتى الأربعاء 8 صفر 1427هـ بيني وبين نفسي ، وبيني وبين الآخرين ، ولعلي ـ ولستُ داريا ـ كنتُ أشّهر بالثقلاء ، أو أنشرُ الكتاب
بدأتُ في عرض الكتاب من السبت 11 صفر .. وها أنذا خائف من عصابة الثقلاء بمختلف أطيافهم وأحزابهم .
مشكلة الثقيل (عكس خفيف الدم ، وليس ثقيل الوزن) أنه لا يعلم أحيانا كثيرة بمدى ثقالته وبطالته ، وأحيانا يعلم ، ولكن يمارس عليك إرهابا مسكوتا عنه ..
الدكتور الأعرجي قال في الإهداء: إلى الذين خافوا من الأرض أن تميد بهم ، فأوسعوا الناس كلهم ثِقَلا . إلى ثقلاء الزمن العربي الرديء من الكبار عسى أن يخفوا قليلا ، أو يخفوا عنا .
طبعا لابد من الناحية الإنسانية والحقوقية لـ (ثقلاء ابن المرزبان) أن تصاغ لهم قوانين تحميهم وتحمي منهم ، أما هنا فأنا أناقش موضوعا أدبيا فيه الكثير من الطرافة والجدة والضحك .
· عن أنس أن رسول ( ص) في حديث رواه قال: لما أهديت زينت إلى رسول الله (ص) صنع طعاما ودعا القوم فجاؤوا ودخلوا فجعلوا يتحدثون وجعل رسول الله (ص) يخرج ثم يرجع وهم قعود فنزلت آية 53 من سورة الأحزاب { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي حتى يؤذن لكم غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما }
في بهجة المجالس قال الحسن البصري: نزلت في الثقلاء . قال القرطبي: الجمهور من المفسرين على أن سببها أن رسول الله لما تزوج زينب بنت جحش امرأة زيد أَوْلمَ عليها فدعا الناس فلما طعموا جلس منهم طوائف يتحدثون في بيت رسول الله وزوجته مولية وجهها نحو الحائط ، فثقلوا على رسول الله قال أنس: فما أدري أأنا أخبرت النبي أن القوم خرجوا أو أخبرني ، قال فانطلق حتى دخل البيت فذهبتُ أدخل معه فألقى الستر بيني وبينه ونزل الحجاب .

· عن الحسن قال لقد ذم الله عز وجل الثقل في القرآن فقال: {فإذا طعمتم فانتشروا}
· عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله (ص) قال ألا أخبركم بأبغضكم إلى الله قلنا بلى يا رسول الله قال فظننت أنه سيسمى رجلا فقال إن أبغضكم إلى الله أبغضكم إلى الناس .
· عن عمر بن الخطاب قال كنت جالسا عند النبي (ص) فقال ألا أخبركم بخير أئمتكم قلنا بلى يا رسول الله قال الذين تحبونهم ويحبونكم وتدعون لهم ويدعون لكم ألا أخبركم بشرار أئمتكم قلنا بلى يا رسول الله قال الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم .
· عن محمد بن كعب القرظي قال دخلت على عمر بن عبد العزيز فقال أعد لي حديثا كنت حدثته عن ابن عباس فقال أتيت النبي (ص) فقال ألا أنبئكم بشراركم قالوا بلى يا رسول الله قال: الذي ينزل وحده ، ويجلد عبده ، ويمنع رفده ألا أنبئكم بأشر من هذا الذي يبغض الناس ويبغضونه .
· عن جابر قال قال رسول الله (ص): أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسا أحاسنكم أخلاقا وأبغضكم إليّ الثرثارون والمتشدقون المتفيهقون قيل قد عرفنا الثرثارون فما المتشدقون المتفيهقون فقال المستكبرون .

طبعا الثرثار والمتشدق والمتفيهق من أثقل الثقلاء على القلب والروح والأذن ، وهذا بلاء عام ، يكاد يكون وباء ، بل هو وباء حقيقي أسميه (أنفلونزا الثرثرة) و (حمى التشدق) و (سارزالتفيهق) ، وانظر القنوات الفضائية ، واسمع خطباء المنابر والمساجد ، واقرأ الصحف اليومية ..
سبحان البارئ المصور .. ترى كل مَن يتمتشدق باسم الدين ، أو يثرثر باسم الوطنية ، أو يتفيهق باسم العروبة أو الفكر أو الأدب أو أي فكرة صغيرة أو كبيرة ، وهو يرجم القراء والمشاهدين براجمة الصواريخ البالستية من الكلام المتعثر الممجوع .. وأكثر الناس مسالمون ، ما زالوا طيبين مستمعين ..!!
فعلا الثقلاء مشكلة اجتماعية تبدأ من الرصيف ، ولا تنتهي بأروقة الجامعات ، وعليه نحتاج ‘لى ابن المرزبان كي يصنف لنا كتاب (ذم الثقلاء الجدد) على وزن المحافظين الجدد .. من ديك تشيني إلى معمر القذافي بوصفه مثقفا !!

· خرج موسى (ع) يستسقي فلم يسق فقال يا رب خرجت مع بني إسرائيل استسقي فلم تسقنا فأوحى الله إليه أنه كان فيهم عبد أبغضه قال يا رب من هو حتى أبغضه كما أبغضته قال يا موسى أنا أبغض التباغض من خلقي فكيف أخبرك .
· كان أبو هريرة إذا ثقل عليه الرجل قال اللهم اغفر له وأرحنا منه .
· كان رجل يأتي أبا هريرة فانقطع فقال جماعة لعله مات ، فقال ليس في الموت شماتة ألا قلتم استُعمل على إمارة أو أصاب مالا أو ولد له غلام .
· قال عمر بن الخطاب من أمِن الثِّقَلِ فهو ثقيل .
· عن إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان عن أبيه: من خاف أن يكون ثقيلا فهو خفيف .

وللحديث بقية ..

شمال شرق القلب 2

تتداخل المعاني في بعضها ، ويختلط المجاز في الحقيقة حينما تنثال الروح في حكائيتها ونقاوتها الزرقاء بين الرمال والنباتات البرية !!
الصحراء بتول .. تعلم الروح معنى أن تكون بتولة ومبتلة ومتبتلة في سرمديتها النقية ، كان البشر يتكلمون منذ مئات السنين فلما صمتوا أخذت الصحراء دورهم فصارت الأشياء تتكلم وتغني .. والنباتات تزداد اخضرارا كلما تناغى اثنان بالكلام الجميل ..
سقيمٌ هو قلبي إذا ظل على حياده في الصحراء .. وخارج عن مداره إذا التزم الصمت في رحاب الأبجدية وسط بحر الكلام العربي .
كانت الدعابات والقصائد زادَ الرحلة .. فهي النقول في مدار الأحاديث اللاهية والجادة .. الضاحكة والمسرفة في الضحك ..حتى التبسنا بقول القائل : مسافرون زادهم الخيال !!
تعجبني مفردة الالتباس بقدها الممشوق وروحها المفرطة في الحيوية ؛ خصوصا إذا انسابت في سياقها الأنثوي .. عوّدنا نحاة العربية على وضع قواعد أمنية لأمن اللبس أو الالتباس ، وخالفهم في ذلك نحاة الصحراء ، فأكثر ما يكون المرء ملتبسا بحال صوفية ، أو بلحظة وجدانية ، أو بصعقة أنثوية يكون أكثر انتماء للصحراء .. أووه عفوا يكون أكثر التباسا بذاته !! إذن كما هي الصحراء دائما غارقة في حال الالتباس أو في شبهته تحاول كشفه أو نفيه أو ترويضه أو إزالته أو رفعه غير خائفة من الوقوع في عوارضه أو مهاويه أو إغرائه !
ولأنني بصّاصٌ ذو عينٍ بصّاصةٍ أو ربما بعبارة أرهف ذو نزعة حسية قد أدمنتُ مطالها دون جدوى .. فهذا يعني أنّ حواسي الخمس تسبقني في قراءة الأشياء ؛ بمعنى أنني أحبُّ أن أراها فأشتمَها فأسمعها فأتذوقها فألمسها حتى انتشرت هذه العدوى بنزعتها الصحراوية في الشخوص والأراء والأفكار والجماليات ، وتشتد وطأة الرغبة أكثر حين تصفحي الصور والوجوه أو ما في معناهما !
مما وطأت قدماي ، ورأته عيناي في تلك الصحراء على لوحاتها الإرشادية الزرقاء ( السوبان ) تذكرتُ لحظتها زهير في مشهديته الجميلة :
ظهرن من السوبان ثم جزعنه * على كل قيني قشيب ومفأم
وورّكن في السوبان يعلون متنه * عليهن دلُّ الناعم المتنعم !!
تخيل حسناوات بدويات عليهن دلُّ الناعم المتنعم ، وكأنهن لسن في الصحراء والسوافي تهيل عليهن الرمال من حدب وصوب .. لله أبوك من حكيم متصابٍٍ حسي !!
لا يعنيني ما قاله ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد بأن السوبان يوم لبني عامر على بني تميم أو لبني تميم على عبس وعامر !! ألم أقل لك بأنني بصاص ذو عين بصاصة ؟؟!!
أشكر للصحراء لباقتها ولطفها ورقصتها معنا .. حتى لقاء آخر في يوم من أيام شمال شرق القلب !!
قد يعجبني الجري وراء قطيع الإبل السائبة في تلك السهول الخضراء ، ولكن يعجبني أكثر العدو وراء حلم تائه من شاعر بائس !!
قد يعجبني البحث عن نبتة برية في طعس رمل مبلل بماء السماء ، ولكن يعجبني أكثر حديث المرء بينه وبين نفسه في غفلة من الانشغالات !
قد يدهشني الربيع الفينان في الأيام المطيرة ، ولكن يدهشني أكثر الشعور بالحرية !! ... وانقطع البث بسبب الانشغالات اليومية والروتين الحياتي الآن ، أنا راجع بعد الإعلان !!