الثلاثاء 14 ذو القعدة 1427
5 ديسمبر 2006م
المقامة اللبنانية
حدثنا بلعم بن باعورا قال: الوضع في لبنان ربما يشبه أغنية نجوى كرم :
بدك ترجع واللا شو
زعلان مني بالله شو
عينونك هِنِّي بلّشو
بالظلم والبادي أظلم
هذه الأيام لا يرى المشاهد إلا المضحكات المثلجة بطعم الفشفاش الانكشاري ، أو الكوسا المحشية بالزفت المقلي في زيت الزيتون الخنفشاري .. والشيف سياسي أو الشيفة سياسية تعد الطبخة الملذوذة التي (ستاكل صوابعك وراها يا لبنان ، ونحن من بقايا السفرة آكلون) !
كنت أتابع الشاشة الفضية (برونزيه واللا ذهبية شالفرق يعني !!) .. وبصراحة متناهية كنتُ ألقبُ طرفي فيها بلا قصد أو رغبة ؛ لعلي أشاهد وجها جميلا ، أو أسمع صوتا ملائكيا !! فجأةً .. توقفتُ عند الشريط الأخباري لمؤشر سوق الأسهم السعودية في قناة العربية ، أستاف عبير الأموال ، وأشتم شذا الأقوال .. وأنا ـ عصمك الله من الزلل ، وأسكنك روائع الفلل ـ من أكثر الناس قلة فهم لهذا المؤشر العبقري ، ولا يضيرني ما يقوله أيُّ (دَنْدَرِي) ، كما أنني من أكثر أكثرهم تِيَاسة ، حتى ولو كان الربح بملء الطاسة !
فأنا كنت أقرأ المؤشر لا بقصد أمر مطوي ، أو أكل تيس مشوي ، وإنما أرغب في متابعة ما تبقى من اكتتاباتي ؛ كي أبيعها ، ولو بالوهم المعلب في قناني الخرافات الاستثمارية (وأعني بها المحافظ) ، التي لا يحيط بفهم إشاراتها لفظ لافظ ! ..
وبينا أنا كذلك في غفلة فارهة ، أتابعُ شؤوني التافهة .. فجأةً وبلا سابق إنذار ، أو سالف إخبار اقتحمت عليّ هدأتي ، وتسورت غفلتي الأعلامُ الفينانة ، والخطب الرنانة ، والأناشيد الوطنية ، والأغاني الشرق ألمبية في لبنان الجمهورية ، وإذا بالوبال السياسي ينهال عليّ من كل زاوية ، والطاعون الطائفي ينذر بكل هاوية.. ، والوسخ البشري المعلون الذي أسميه السياسة ينساب في روحي بدلا من ينساب .. !!
من مشاكلي هذه الأيام أن نَفَسي السياسيَّ ملوثٌ ومبلتث ومخترق بضعف البصيرة وكثرة الحيرة .. والحيرة مدينة في العراق ، والصحيح ( كثرة الحَيْرَة) بفتح الحاء ، وسكون الياء ، وفتح الراء ، مِنْ حَارَ يَحَارُ على رأي أبي زبيد الديمقراطي ابن عم الأقرع الجمهوري (الجمهور في العربية هو الرملة المشرفة على ما حولها ، من (جَمَرَ + جَهَرَ ) !
وعلى ذكر العراق لن أنزلقَ وأكتبَ عن العراق بن كلثوم العاربي .. فالعراق اسم كبير ، ورقم صعب تحوّل هذه الأيام في العرف السياسي إلى (كعكعة) ، وهو الآن ممدد على سرير التاريخ الأبيض ، والكل يدعي أنه يطببه ، وستجرى له عملية فصل سِيَامية ، ولكن يبدو أن موعد العملية تأجل إلى موسم الفقع والعراجين والخولنجان والضَّغَابيس .
والعراق ابن الطب وحفيد القانون ، وإذا به يلقى في بلعوم الأمراض ، وحلقوم الأعراض ، وهو الآن وليس غدا يُسمّنُ كي يبتلعَه تنين أسطوري ، أو يرمى به في حضن عنقاء مُغْرِب .. والتنين (كائن يشبه الديناصور في جوفه نار ملتهبة ، والعنقاء كائنة خرافية لها عنق طويل ، وهي حيوان نصفه نسر والنصف الآخر أسد ، إذا طارت خفقت بجناحيها في الآفاق) .. أوووه عفوا استطردت استطرادا جاحظيا !!
كنتُ أضحك ضحكات مشبوبة بالوجع .. من هذا اللبنان الغريب ، الكل يتحدث عن الوطنية والوحدة والشفافية والعدالة والحوار والخُوار والجوار والعيش المشترك والاستقلال والحرية والديمقراطية والنفوذ الأجنبي والاستقواء بالخارج ورعي الخُعْخع ، وأكل الزبيب على الريق ، والنجاة من النار ، والدعوة إلى نبذ الطائفية ورجم الحرب الأهلية بالزيزفونات الشمسوانية ..
طيب .. والله نحن على ذلك من الشاهدين والمشاهدين ، وليس المتفرجين ! وطيب مرة أخرى ترى (زَوّتُوها حبتين) (وزتوا الحمهْ ليعه) .. وكما في الحكمة الشعبية (الشي إذا زاد عن حدّه انقلب ضده) .. فالوضع أصبح مُضْرَغِطًّا (أي منفجرا من شدة السمنة والضخامة والجسامة) ..اليوم موالاة وغدا معارضة ، وأصبح البيع بالكاش والمقايضة ، وصار الناس في حيص بيص ، ومازالَ الأمرُ هيصًا في هيص (والهيص مذكر هيصه) !
الرياء السياسي من أكثر أنواع الرياء انتشارا ووبائية ، ولكن مازلنا نتحدث عن الرياء في العبادة ، والعُجب على حاشية السجادة ، وبات كل مسطول يغني على ليلاه في الليل البهيم .
والمسطول هو كل من يملك أسطولا بشريا (يزتُّ) به في مثلث برمودا ، وأضحى الحديثُ هذه الأيام عن أيِّ ألق أو أدب أو فكر لبناني حديثَ خرافة يا أمّ عمرو ..
قالت أم عمرو صاحبة اللوى والمربع :
ثوْبُ الرياء يَشِفُّ عمّا تحته * فإذا ارتديت به فإنك عاري
كل لبنان بتاريخه السياسي ، وفكره المستنير ، وأدبه الإنساني لم يخرج من عنق الزجاجة .. فكيف بالصومال صاحبة اليامال ذات الجلالة السياسية والصولات الحربية والسيارات المصفحة والانقلابات المدربحة .
أنا .. هذه الأيام أقرأ في كتاب النبي لـ (جبران خليل جبران) وهو تعويذة إنسانية أدرء بها عني غلواء الموالاة ، وأستمع لـ (فيروز) كي أحترز بها من غلواء المعارضة وحسبي وكفى .. اللهم لا موالاة ولا معارضة ، اللهم مع كل ما يخفف عن الإنسان من جور أخيه الإنسان !! وهذا هو موقفي من لبنان العظيم ، وأعلم أنني على الخطأ الجسيم ، عند من يخالفني الرأي ، أو يصبو أن يعاكظني في وَأْي ، ولكن .. حياه الله وبيّاه ، وجعل النجاح في مسعاه . (معنى الوَأْي: الوَعْد ، واستعملتها هنا حُبًّا في السَّجْعِ ورَغْبَةً في ازياد الرَّجْعِ .. والرَّجْعُ: المطر ذكر ذلك ابن عباس) !
كنا وكنتم والزمان شرمٌ برمٌ * لا خيرَ فيكم والزمان ترلْ لِلِي
طبعا .. كل الخيرية فيكم يا أصحاب ثورة الأرز ، و(كلكم فاهمين وما عليكم زُود) بالنجدي ، ولكن متى يعود للبنان صوته ، بلا (والبادي أظلم) ، وبلا 8 آذار ، أو 14 آذار .. و(على مين تقرا مزاميرك يا داود) .. !!
و (ايه حكايتك يالبنان ايد ورا وايد قدام) ، ويا جماعة : محتاجون دبكة شامية تعلو على نشاز الصخب السياسي .. يا أبناء طائر الفينيق !
يمكن كلامي (اكون من برّه وفي الأونطه ، بس هوّه كلام) لم يقتل طفلا ، ولم يهدد آمنا ، ولم يروّع روحا رطبة ؛ حتى لو كانت قطة ، أو بنات الفرزدق خبطة ولبطة وسبطة !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق