١٤٢٧/١١/٢٦

ذم الثقلاء 2

حدثنا هشام بن عروة يقول لرجل: لأنت أثقل من الزواقي ، قال ابن قدامة: سألت الفراء عنها فلم يعرفها ، فقال جليس له: إن العرب كانت تسمر بالليل فإذا سمعت زُقَاءَ الديكة ثقل عليها مجئ الصبح ، قال: فأعجب الفراء بذلك .
حدثنا أبو الصغدي الحارثي ، قال: أتيت عوانة بعدما كف بصره فسلمت عليه وسألت عنه ، ثم قلت: إن الله لم يسلب عبدا شيئا إلا عوضه مكانه شيئا هو خير منه فما الذي عوضك من بصرك ، قال: الطويل العريض وألا تقع عيني عليك .
حدثنا عبد الله بن حمزة عن العباس بن الحسن ، قال: بلغني عن الشعبي
أنه قال إذا أردت التخلص ممن تستثقله العين فحول قفاك إليه .
قال ابن المرزبان: أنشدني علي بن محمد لأبي زيد المازني:
وبغيض فاق في البغـ * ـض على كل بغيض
فاق عندي قدح اللبـ * لاب في عين المريض
في جمهرة الأمثال : أبغض من قدح اللبلاب ، مثل محدث ، واللبلاب نبت كريه الطعم معروف .
عن حماد بن زيد قال حدثني شيخ من أهل البادية ، قال: كان عمي إذا
رأى الرجل يستثقله غُشِيَ عليه .
قال عبد الله بن نصر الرياشي من المتقارب :
ولي صاحبان علي هامتي * جلوسهما مثل حد الوتد
ثقيلان لم يعرفا خفة * فهذا الزكام وهذا الرمد
أنشدني أبو بكر لبعض البصريين:
فرحمة الله على آدم * رحمة من عم ومن خصّصا
لو كان يدري أنه خارج * مثلك من جربانه لاختصى
والبيتان من أربعة أبيات لأبي نواس في ديوانه وقبلهما:
قولا لحمدان وما شيمتي * أن أهدي النصح له مخلصا
ما أنت بالحر فتلحى ولا * بالعبد أستعتبه بالعصا
قال بعض صناع الأدب بأنه بالغ وغلا في نقد هذا البغيض الثقيل ، وأقول: لم يقل في وصفه إلا القليل .
هذا حال ثقلاء العصر البائد ، فكيف بثقلاء هذا العصر ؟!

كان ابن عائشة عبيدالله بن محمد التميمي إذا بصر إلى ثقيل قال صَنْجَة الميزان ، وكان حماد بن أسامة بن زيد القرشي إذا أبصر إلى ثقيل ، قال: قد تغيّمتِ السَّماء .

قلتُ: وفي هذا الزمان الحلمنتيشي ، نقول: (في السما غيم) للإشارة إلى وجود شخص لا يصلح لسماع الكلام !!

وكان بعض مشايخنا إذا أبصر إلى ثقيل صاح: الحجر الحجر .
وكان وكيع إذا جلس إليه الثقيل غمض عينيه وقام عنه .
قال ابن أبي طرفة: مجالسة الثقيل حمى باطنة .
وعن الشعبي ، قال: من فاتته ركعتا الفجر فليلعنِ الثقلاءَ .
وعن بلال بن يحيى العبسي عن حذيفة ، قال: إن الرجل ليدعوني ، فأقول: إني صائم ولست بصائم .
وعن عبد الله بن شبرمة ، قال: سمعت الشعبي ، يقول:
ومن الناس من يخف ومنهم * كرحا البزر ركبت فوق ظهري

قلتُ: هذا البيت لمطيع بن إياس الكناني شاعر من مخضرمي الدولتين ت 166هـ كان مليحا ظريف النادرة ..
والبيت من جملة ثمانية أبيات بقافية الباء المكسورة ، يقول في بعضها:
أيها الداخل الثقيل علينا * حين طاب الحديث لي ولصحبي
خف عنا فأنت أثقل واللـ * ـه علينا من فرسخي دير كعب
ومن الناس من يخف ومنهم * كرحا البزر ركبت فوق قلبي
وفي كتاب الأذكياء (على ذكر رحى البزر) ، قال أحمد ين محمد القطان ، قال لي يزيد بن هارون : أنت أثقل عندي من نصف رحى البزر ، قلت: يا أبا خالد لِمَ لمْ تقل من الرحى كله ، فقال: إنه إذا كان صحيحا تدحرج ، وإذا كان نصفا لم يرفع إلا بجهد ، وفي مجمع الأمثال : أثقل من رحى البزر ، قال الشاعر:
وأطيش إن جالسته من فراشة * وأثقل إن عاشرته من رحى البزر
والبزر هو كل حب يبذر .
قلتُ: وفي قلب دمشق سوق البزورية بروائعه من البشر والبضائع ، وبروائحه العطرة بكل أنواع التوابل والبزور .

مقالة

كل مصري حبيب