١٤٢٨/٠١/١٨

قلْ وزدْ في معنى كدْ ومدْ

كثيرة هي الأساليب اللغوية المحلية التي تلفت النظر ، وتغري بالكتابة أو بالدردشة الكتابية ، من هذه العبارات في لهجتنا المحلية عبارة ( كِدْ ومِدْ ) .. طبعا أول ما يثيرك في هاتين الكلمتين حضور صوت الدال برزانته ووقاره ورسوخ قدميه في قاموسنا العربي ، خصوصا سجعته الراسخة ، ومزاوجته بين الكلمتين في تلادة ورصانة فـ ( كد ومد ) من حيث المزاوجة مثل: ( حسن بسن ) ، و ( ساغب لاغب ) ، ولابن فارس كتاب في هذا الباب اسمه ( الإتباع والمزاوجة ) !
الكدُّ والمدُّ رضي الله عنهما عريقان في الأمم والشعوب ، فـ ( الكدُّ ) شقيق النصب والتعب ، وابن عم العمل وبذل الجهد ، وأخونا ( المدّ ) كذلك فهو أخو الزيادة والوصول والتبسط والدعة .. فالرجل إذا أكل حتى شبع وزيادة ، وشرب حتى ارتوى فوق العادة ..ارتمى على ظهره وتمدد ، كأنه طعس من الرمل ، أو ملحمة متراكمة بعضها فوق بعض .. !!
تخيل معي أن ( كد ومد ) صديقان لدودان ، فسوف يكونان ـ بحمد الله وتوفيقه ـ ثنائيا استثنائيا مبينا في السيطرة وبسط النفوذ .. !!
أو تخيل معي أنهما كومة من النفايات مكدسة في أكياس النايلون السوداء التي يجوب عمال البلدية في البحث عنها ( مشكورين طبعا ) وإلا لأصبحنا في وضع مزرٍ من تراكم أطنان النفايات لو يضربون عن العمل !! طبعا عمدة البلدية حينها لا يملك إلا ظهوره الإعلامي مناشدا هؤلاء العمال البسطاء بقوله ( كد ومد .. انت ما فيه معلوم مته يجي مته يروح ) !! وسيترجم هذا المثل إلى مئات اللغات العالمية بسبب أزمة الإضراب المتخيلة !!
أو تخيل معي أنهما شريكان تجاريان فسوف يعم في عهدهما الرخاء والازدهار ، وستحلُّ مشكلات البطالة في سبعين يوما ، وسينتعش سوق الأسهم السعودية من جديد ، وسينهض طائر الفينيق من تحت الرماد ، وسيقول قائلنا: لن يموتَ منا أحد .. من صميم الرماد تحيا الشرارة !!
تخيل معي أن الأخوين ( كد ومد ) على وزن الأخوين رحباني أسسا معهدا موسيقيا فلا شك أنَّني أول من سيسجل في الدفعة الأولى من الطلاب الدارسين في هذا المعهد الذي سيتغلب على خريجي ستار أكاديمي ، حيث ستحيا السليقة الفنية ، وتتكوّن الذائقة الموسيقية المدربة ، وسنهزم الإرهاب بالموسيقى في مئة يوم !!
تخيل معي أن ( كد ومد ) أصبحا سياسيين من طراز السيناتور جيب ركستون ، وهو دبلوماسي محنك ، وخبير سياسي من رجالات القرن الثامن عشر يعتبر هو المؤسس الحقيقي لما يسمى اليوم بعصر الاستراتيجية ، ماذا سيسود في عهدهما !!؟؟ طبعا سيسود في عهدهما تهما الأمن والأمان ، والأماني والأمنيات ، والذكر والذكريات ، والأبكار والثيبات .. طبعا ؛ ولأجل نرضي الست ديمقراطية ، وكرمى عيون الحرية ، أقترح أن نعقدَ مؤتمرا قوميا على مستوى الأمة العربية المحلية ؛ كي نرشحَ أحدهما رئيسا للوطن القومي للألفاظ العربية المحلية ، والآخر رئيسا للوزراء ..
أقول: وطن قومي باعتبار أن الألفاظ العربية المحلية مشردة في نواحي البسيطة فلا بد أن نقلدَ فكرة وعد بلفور في جمع يهود العالم المشردين في كل مكان تحت راية وطن قومي اسمه دولة إسراطين الكبرى .
نمى إلى علمي أن بعض الرديكاليين من بني عجل قد اعترضوا على فكرة ( الوطن القومي للألفاظ العربية المحلية ) ؛ لمساسها بالشرف العربي ، والعزة القومية ، فقلتُ لهم: {اخسَؤوا فيها ولا تكلمون }
وأخبرني من لا أتهم أن العرب تقول: ( كلْ من كده والعن جده ) ، أي كن وحشا كاسرا ، أو سبعا ضاريا في الأكل من طعام الآخرين ، ثم اجحد تلك النعمة .. يا لَلبؤس !!؟
وسمعت من بعض الراسخين في لهجتنا المحليه قوله: ( تعشى وتمشى ، وتغدى وتمدى ) أظن أن أختنا ( تمدى ) هذه ، هي شقيقة ( مد ) السالف الذكر ..
أشعر أن في ( تمدى ) انبساطا وتمددا مطاطيا هائلا ، كما أن فيها التواءً أفعوانيا راقصا يليق بها .. !!
أخونا ذلك الراسخ في حفظ لهجتنا المحلية يستغرب من عدم اهتمام الكتاب والمثقفين بهاته الالفاظ الامتدادية ، فقلتُ له متجاوبا مع استغرابه المسبطر: ( كد ومد ) و ( تعشى وتمشى ) و ( وتغدى وتمدى ) ؛ حتى يأتيَك الجنون !!
طبعا لا ننسى أن ( المَدّه ) أخت الحصير هي من نسل كد بن مد بن مديد بن أسل .. حتى أن صاحبنا الراسخ في حفظ لهجتنا المحلية وأنسابها يقول: أن مديد بن أسل بن ويندز بن فستا هو القائل القول الشهير: ( فلان كدّاد عافيه ) ، وأخبرنا أبو الرسوخ الوتدي أن كدّادا كان ثورا هائجا نزا على بقرة زائدة عن الحاجة في ليلة ليلاء فأصابت منه عجلا أسمته أمه الجهجاه !!
فعلا كلمة معبرة عن الجو ، وعبارة كليمة بالمراد قوله ( كدّاد عافيه ) ، لماذا لم يقل مديد بن أسل حفيد ابن فستا ( فلان مدّاد عافي ) أو ( فلان عفّاي مادِي ) لماذا ( كدّاد عافيه ) !؟؟ لماذا لم يقل ( كدّاد مازولا أو نور أو دلال ) أظن أنه كان موفقا في اختياره فقد أصاب كبيداء الحقيقة .
كد ومد عبارة تقال في مواطن كثيرة ، فقد يشتري أحدنا ثوبا قشيبا من نسج يابان فتقول له: ( نعم .. كد ومد !! ) ، وقد يبتاع جارك بقرة حلوبا من نسل الجهجاه فتقول له مؤيدا ( كد ومد ) أو ( شدْ ومد ) في لفظ آخر !!
وأظن أن له مضربا آخر ، فقد يتكرم أحدهم من مال غيره ، ويمد أياديه بالعطاء من غير ماله ، فيقول له أحد جلسائه: ( كد ومد ) أي كدّ بيديك واسعَ برجليك وأصبح كدّادا ، ومدَّ يديك بالعطاء وكن سخيا وابن أريحي !!
أظن ظنا يقينيا أن لا علاقة نسبية بين ( كد ومد ) وبين الكُدْيَةِ التي لم أسمع بها إلا في أدب المقامات !!
وأخيرا ومثلهما في الأهمية اللغوية المجازية المحلية قولنا حدثني فلان بعظمة لسانه ، واللسان كما أثبت العلم الحديث والقديم هو عضلة ، فتخيل معي ـ حفظك الله ـ حينما يعترض هذ العظم الكريم في حلق بني آدم ، فسوف تقل العبارة ، وستكثر الإشارة ، وسنبقى كأننا معلقون في الهواء بمشنقة السكوت ..
حقا إن المجاز المحلي ينبوع غزير بالمفاجآت ، ويستحق منا وقفات طويلة على المستويين اللغوي والحلمنتيشي ... و ( كد ومد ) .. و ( الدز من المز والضراط من العافيه ) .



السبت 15 من المحرم 1428