٢٠٠٦/١٢/١٦

مئذنة

اليوم السبت 25 ذو القعدة 1427هـ
ببساطة جدا هدمت المئذنة التي كنت أشاهدها كلَّ يوم كلما خرجت من بيتنا صباح مساء ..!!كانت منارة بحجم طفولتي ، وكنت أرى فيها قوة الحي الذي أسكن فيه ، وكأنها حارسة المدينة بهيبتها وجلالتها ، وسموقها الشاهق واللامتناهي ، وكأنها صاروخ يحمل مركبة فضائية .. !!كانت أيضا رمزا بارزا لمعان جميلة ! ومنها : كلمة (الشهادتين) التي تنساب في مسامعنا منذ الطفولة .
وتتوالى الأيام ، ويموت أكثر من حولها من الناس وتبقى هي ..
رأيت العمال الذين بنوها لبنة لبنة ، وأرى أحدهم الآن بين عيني مستندا إلى جدار المدرسة المجاورة كي يتمكن من سحب اللبنات والأسمنت والأصباغ والألوان والماء ومستلزمات المعيشة وهي محمولة فوق عتلة مسمرة في أسفل المئذنة !!
بطبعي اللدود لا أحب مفارقة الأمكنة بإرادتي .. ولا الأشياء ، ولا حتى الجمادات ؛ فكيف بمئذنة كنت أرى فيها بطفولتي الساذجة أنها مصدر قوة ، وعلامة بارزة على أن صوت حينا مازال مسموعا حتى من أقصى المدينة !!
كنا نرى بها بيوتنا من بعيد ؛ لأنها مشرفة عليها كالملك الجبار ، ومتدلية على أزقتنا كعنقود العنب .
كنت أسمع منها تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان ، وفي صلاة التراويح بطمأنينة وهدوء بال .. لأكثر من عشرين سنة !
كم كنا صغارا ، وهي تكبر في أوهامنا ..وكم كنا صغارا نعلب حولها لعبة (المنطاع) ، ونتدفأ في الشتاء بجمر أحلامنا البريئة ..
كنا أطفالا صغارا نتراكض حولها ، ونعجب كلما غفلنا عنها ازدادت طولا ..
وأكثر ما يعجبني هو منظر السحاب في السماء العالية حينما نتخيل أن المئذنة تتمايل حين عبوره بجوارها .. نعم كنا نتخيل أنها ستقع من فرط حركة الغيوم ..
طبعا اكتشفت فيما بعد ذلك أن الغيوم هي التي تسير ، وليس المنارة
.
اليوم فقط استطعت أن أفهم لماذا كانت المآذن مهمة في ثقافتنا العربية الإسلامية !

ليست هناك تعليقات: