٢٠٠٦/١٠/٣١

شمال شرق القلب 2

تتداخل المعاني في بعضها ، ويختلط المجاز في الحقيقة حينما تنثال الروح في حكائيتها ونقاوتها الزرقاء بين الرمال والنباتات البرية !!
الصحراء بتول .. تعلم الروح معنى أن تكون بتولة ومبتلة ومتبتلة في سرمديتها النقية ، كان البشر يتكلمون منذ مئات السنين فلما صمتوا أخذت الصحراء دورهم فصارت الأشياء تتكلم وتغني .. والنباتات تزداد اخضرارا كلما تناغى اثنان بالكلام الجميل ..
سقيمٌ هو قلبي إذا ظل على حياده في الصحراء .. وخارج عن مداره إذا التزم الصمت في رحاب الأبجدية وسط بحر الكلام العربي .
كانت الدعابات والقصائد زادَ الرحلة .. فهي النقول في مدار الأحاديث اللاهية والجادة .. الضاحكة والمسرفة في الضحك ..حتى التبسنا بقول القائل : مسافرون زادهم الخيال !!
تعجبني مفردة الالتباس بقدها الممشوق وروحها المفرطة في الحيوية ؛ خصوصا إذا انسابت في سياقها الأنثوي .. عوّدنا نحاة العربية على وضع قواعد أمنية لأمن اللبس أو الالتباس ، وخالفهم في ذلك نحاة الصحراء ، فأكثر ما يكون المرء ملتبسا بحال صوفية ، أو بلحظة وجدانية ، أو بصعقة أنثوية يكون أكثر انتماء للصحراء .. أووه عفوا يكون أكثر التباسا بذاته !! إذن كما هي الصحراء دائما غارقة في حال الالتباس أو في شبهته تحاول كشفه أو نفيه أو ترويضه أو إزالته أو رفعه غير خائفة من الوقوع في عوارضه أو مهاويه أو إغرائه !
ولأنني بصّاصٌ ذو عينٍ بصّاصةٍ أو ربما بعبارة أرهف ذو نزعة حسية قد أدمنتُ مطالها دون جدوى .. فهذا يعني أنّ حواسي الخمس تسبقني في قراءة الأشياء ؛ بمعنى أنني أحبُّ أن أراها فأشتمَها فأسمعها فأتذوقها فألمسها حتى انتشرت هذه العدوى بنزعتها الصحراوية في الشخوص والأراء والأفكار والجماليات ، وتشتد وطأة الرغبة أكثر حين تصفحي الصور والوجوه أو ما في معناهما !
مما وطأت قدماي ، ورأته عيناي في تلك الصحراء على لوحاتها الإرشادية الزرقاء ( السوبان ) تذكرتُ لحظتها زهير في مشهديته الجميلة :
ظهرن من السوبان ثم جزعنه * على كل قيني قشيب ومفأم
وورّكن في السوبان يعلون متنه * عليهن دلُّ الناعم المتنعم !!
تخيل حسناوات بدويات عليهن دلُّ الناعم المتنعم ، وكأنهن لسن في الصحراء والسوافي تهيل عليهن الرمال من حدب وصوب .. لله أبوك من حكيم متصابٍٍ حسي !!
لا يعنيني ما قاله ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد بأن السوبان يوم لبني عامر على بني تميم أو لبني تميم على عبس وعامر !! ألم أقل لك بأنني بصاص ذو عين بصاصة ؟؟!!
أشكر للصحراء لباقتها ولطفها ورقصتها معنا .. حتى لقاء آخر في يوم من أيام شمال شرق القلب !!
قد يعجبني الجري وراء قطيع الإبل السائبة في تلك السهول الخضراء ، ولكن يعجبني أكثر العدو وراء حلم تائه من شاعر بائس !!
قد يعجبني البحث عن نبتة برية في طعس رمل مبلل بماء السماء ، ولكن يعجبني أكثر حديث المرء بينه وبين نفسه في غفلة من الانشغالات !
قد يدهشني الربيع الفينان في الأيام المطيرة ، ولكن يدهشني أكثر الشعور بالحرية !! ... وانقطع البث بسبب الانشغالات اليومية والروتين الحياتي الآن ، أنا راجع بعد الإعلان !!

ليست هناك تعليقات: