٢٠٠٦/١٠/٢٨

سوانح

صباح هذا اليوم مختلف جدا..
عادة أنام بعد صلاة الفجر ، ولكن هذه الليلة لا بد أن أنام عند الساعة الثانية عشرة ؛ كي أستطيع الاستيقاظ مبكرا ونشيطا .. طبعا لم أستطع النوم بسبب شعوري المستيقظ ، وأكرر بيني وبين نفسي ( بكره دوام ) يلعن شكلك حاول أن تنسى ، ذاكرتي اللعينة إحدى مشاغلي ومشاكلي !!
وعادةً لا أنام إذا كنت أنتظر شيئا مُلِحًّا .. حتى ولو كان موعدا غراميا !!
كعادته يكون الصباح نقيا ومعبأً بالأمل .. هذا اليوم أحسه ثقيلا جدا ؛ لذا عليّ أن أخفف من ثقله بصوت الحصري أو المنشاوي ، أو أطلق خيالي مع صوت فيروز ( نسم علينا الهوى ..) !!
تزدحم في ذاكرتي بعد إجازة العيد ذكريات شهر رمضان المصون المبارك ، فعلا رمضان جميل بروحانيته ، لكل شخص في رمضان برنامجه الخاص ، يشعر بمتعة مميزة وهو يمارس برامجه المحببة ، حتى لو كانت روتينية ..
أجواء رمضان مبللة بالسكينة والهدوء ، وتكون مشجعة على التأمل ، وقراءة القرآن الكريم ، والأدعية .. هذه السكونية المطلقة تفتح نافذة على الكون ، فنصف (السكونية) كونية على ما ترى !!
أنا أشعر في رمضان بهدوء عجيب كامن في الروح يشبه نوعا ما زرقةَ البحر .
فجأة يطل علينا صباح السبت 6 شوال ، وتلوح في الأفق سحابة ( عفوا كآبة) الدوام .. وكما قال جلّ شأنه وتقدس {فلما رأوه عارضا مستقبلَ أوديتهم قالوا هذا عارضٌ ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريحٌ فيها عذاب أليم } الأحقاف 24
الناس يمرون بين يديك لا يتنفسون إلا دخان الروتين ، وعوادم السيارات ، وريح الدوام الأليم !
ترى الأطفال يجرجرون خطاهم المثقلة ذهابا إلى الدوام .. لن أخصص بوظيفة معينة يكفي أن تكون دواما مؤبدا وحسب !
كل من تراه يُصبّح عليك بالخير من جيرانك ، يتبع تصبيحته بكلمات مختلطة يعبر بها عن تذمره من الدوام !! أحيانا يقول لك : الدوام لله ، وليس للبشر أو للبقر !
الناس يمضغون مفردة (الدوام) في حلوقهم كما لو أنها العلقم البري .. علكة الدوام بطعم الخيبة ، هكذا أشعر بها !
المغادرون .. والذاهبون .. أو المسافرون إلى الرياض ، أو الدمام ، أو عرعر ، أو الدوادمي ، أو دوحة ضرام أو وادي الدواسر أو (دُسُر) أو .. أو .. لا يستطيعون الكلام دون شعور بالغضب والخيبة .. طبعا هو شعور طبيعي ، تنقشع سحائبه بعد ابتداء الرحلة ، وركوب الراحلة !
وأنت في الشارع من مساء الجمعة أو ليلة السبت لا ترى إلا الحقائب مشدودة ومشحونة بالثياب ، أو محقونة بالغم والهم واللعنات..
كلٌّ تراه ذاهبا أو آيبا يحمل كل ما تصل إليه يداه ويضعه في تلك الحقيبة أو تلك السلة ، وكأنه سيغادر إلى جبهة قتالية ، طبعا من حقه : أليس هو سيذهب إلى جبهة الدوام ..
ضحكات الطلاب .. طبعا والطالبات تكون ممزوجة بالقهر والتهكم والسخرية مع بداية كل عام دراسي ثقيل ، والمعلمون كذلك !
العودة للعمل أو المدرسة أو البنك أو المكتب بقدر ما فيها من شعور جميل بالإنتاج والشغل والحركة والنشاط والانطلاق لكنها (سبحان الله) محشوة كما البندقية بطعم اللون الرصاصي ، طبعا فقط العودة إلى المطار هي العودة الحميدة عند كثير من البشر ، وأنا منهم !
يخذلني بعد كل إجازة من يسألني : أين سافرت ؟
سؤال أكبر من اللازم .. كأن السفر هو المعاند الجميل بحيويته لمفردة الدوام بكآبتها ، السفر معناه لزوم الحرية ، وعدم مغادرة مطار الروح إلا بتأشيرة من القلب ، والدوام سجن مؤبد بلا محاكمة ، السفر خصوصية وتغيير وتنوع وضحك ، والدوام عموم وخصوص من وجه ، و ( لِفَادهْ ) من اللفد وكمية كبيرة من الصداع والصراع !!
أكف الطلاب والمعلمين صباح السبت رطبة أحيانا ، وباردة أحيانا أخرى ، وحارة .. وساخنة .. ودافئة .. ومترقبة .. نادرا ما تشعر بأنها بطعم المعايدة .
هذا العيد اصطف المعلمون كسكة النخل ، وطاف بنا الطلاب جزاهم الله عنا وعن الإسلام خير الجزاء يعايدون .. (حركة مهذبة ومربية من المدير !)

سوالف الطلاب عادة تكون عن الجوالات ( شريت الدلوعه ، وبعت برج العرب) ، أو تكون في السيارات وأدوات الصيانة أو في أحاديث تعجبهم ولا تعجب المدرسين ( طبعا واحد يكذب ، وواحد يصدق) .. هذا المقطع نقلته كما حفظته من أفواه الطلاب التي تشبه أفواه القرب المفلوتة بالماء من كثرة الكلام .

الساعات بطيئة وكسولة كالسلحفاة المائية ، تدب دبيبا على صيغة فعيل .. والدبيب كما الحبيب كما (الزبيب) يكون مستفزا ..
الغبار بعد كل إجازة تشاهده متكدسا على كل شئ .. على الطاولات والكراسي بل حتى على الروح ، وسالفة الغبار لي معها قصص مستقلة سأسردها يوما ما في ( كتاب الغبار )

الدوام مفردة سالبة للحرية على مستوى البشر بلا نقاش ، أما هي على المستوى الرباني فهي صفة من صفات الله ذي الجلال والإكرام .

ليست هناك تعليقات: